وقفت تنتظر خارج متجر الأنتيكات والتحف المفضل لديهما والذي قضيا أجمل أيامهما حوله وداخله ،يتناوبان نوستالجيا الأشياء التي حددت ملامح طفولتهما
لم تعرف كم من الوقت قد مر وهي جالسة على حوض شجرة البونسيانا الصغير تتظاهر أنها تقرأ كتاباً ضخماً كمن تحاول درء العيون المتلصصة والفضول الذي ربما سيتضاعف كلما مر بجانبها أحدهم في هذا الممر الضيق .
هي لاتعرف متى سيمر من هنا، فهما لم يتواعدا على اللقاء ،فقد فقدت رقم هاتفه للأسف على مر السنوات الطويلة التي لم يتقابلا فيها، لكنها لم تفقد إحساسها بطيف روحه الجميل الذي يزورها كثيرا كلما ثقلت أحزانها وفاضت
وحدها ذكريات لقاءاتهما هي التي رسخت في ذاكرتها من بين كل تلك الحواديت التي ارتطمت بطريقها
اللي فات وياك يا روحي بعود اليه ...
و اللي عشته معاك رجعت أعيش عليه أعيش عليه أعيش عليه.......
و اللي عشته معاك رجعت أعيش عليه أعيش عليه أعيش عليه.......
فكروني ازاي هو انا نسيتك !قالتها في نفسها عندما سمعت تلك الأغنية تنطلق من داخل متجرها المفضل ،انطلقت كأنها تقول لها أنها تعرف بانتظارها هنا وتعرف قصتهما جيدا وأن هذه نفس زاوية أشعة الشمس بتوقيت كل الصدف التي جمعتهما بعد قرار الفراق.
بعدما طال انتظارها ويأست من مجيئه ، بدأت تتمشا ببطء في اتجاه ذلك المقهى المنزوي في الزقاق الذي يسبق مسرح سيد درويش
دخلت وجلست تنتظر مجددا .. لاشئ سوى قهوتها المظبوطة مع صوت سيد مكاوي المبهج القادر على تشتيت مزاجها بعيدا
تأملت الجدران المطلية بإهمال .. لازالت تحمل تحمل جزءاً صغيرا من الجدارية التي قررا يوما ما أن يقوما برسمها وإهدائها لصاحب المقهى وهويعيد إليها الحياة..
لازال الرسم هناك ولكن للأسف رطوبة الإسكندرية طالته وقشرته وقام العاملون في المقهى بتغطيته ببعض الملصقات السينمائية للأفلام القديمة (زمن الأبيض والأسود) الأفلام التي كانت تدمنها قبل زواجها من "مازن" فقد جعلها تنسى هذا الشغف القديم وأغرقها معه في محيط من الأفلام الأمريكية بكل أنواعها لأنه يمل سريعا من بطء أحداثها على حد قوله
لايزال الحائط يعرض لها صورته عندما كان يرسم معها أشكالا هندسية وزخارف متعددة الأنماط ومبهجة الألوان ..
تستعيد شعورها بيده الحانية وهي تسندها أثناء نزولها من فوق السلم كي تجدد باليتة الألوان ، كم كانت تشغر بالخجل ، برائتها في ذلك الوقت برغم بلوغها الرابعة والعشرين كانت سببا لانجذاب الكثير إليها ولكن كان حزمها معهم يجعلهم يرحلون سريعا إلا هو تمنت لو أنه مكث للأبد
أخيرا دخل إلى المقهى مع فتاتين انيقتين يضحكون جميعهم ويعلقون على الفيلم التافه الذي دخلوه عن دون قصد بديلا لفيلمهم المقصود الذي قد امتلأت قاعته عن آخرها
دخلوا يبحثون عن طاولة تسعهم، وعندما وجدوها وحيدة على الطاولة، اقترب هو منها
- أووه "سهيلة" كيف حالك؟
- كيف حالك أنت؟ منذ زمن لم نتقابل، زميلاتك في العمل ؟(أشارت للفتاتين المنتظرتين بعيدا)
- لا هذه خطيبتي وأختها
- الف مبروك متى تمت خطبتك ؟
- منذ فترة وقريبا سنتزوج
هل تسمحين لنا ان نتبادل معا طاولتك الكبيرة بهذه الطاولة الأصغر هناك؟
- بالتأكيد...
هل قلت لك أن معرضي الفردي سيكون قريبا في "معهد جوتة "، سأكون سعيدة جدا إذا استطعت حضور الافتتاح انت وخطيبتك...........
حسنا حسنا.....
والتفت مسرعا لخطيبته وأختها يناديهما حتى يتمكنوا من الجلوس إلى الطاولة قبل أن يسبقهم أحد إليها، فبعد انتهاء حفلة الثالثة عصرا في السينما المجاورة لهم دائما مايتوافد إلى هذا المقهى الكثير من الزبائن ويمتلأ المكان بعدما كان هادئا وفارغا...
انقذها جرس تليفونها من تحديقها في عيونه من بعيد
-حسنا يامازن دقيقتين وتجدني أمام مسرح سيد درويِش، لن أتأخر أعرف أن الوقوف بالسيارات ممنوعا هناك لاتقلق...
انطلقت وعندما وصلت للشارع الرئيسي لقطت أذنيها أغنية عبد الوهاب تنطلق من محل الخردوات القريب
" قالولي هان الود عليه ونسيك وفات قلبك وحداني........"
وصل مازن والأولاد بالسيارة وعادت للغرق في حياتها الأخرى الموازية